يُلقي هذا المعرض نظرة على تطوّر النتاج الفني لشاكر حسن آل سعيد منذ مطلع خمسينيات وحتى أواخر تسعينيات القرن العشرين، ولا سيما اختفاء الشخوص والمشاهد الطبيعية من أعماله، وتحوّله إلى بُعد أكثر مباشرة بحيث حلّت بنية العمل وطبيعته المادية مكان تجسيد الشخوص.
يُسلّط هذا المعرض الضوء على فترتين بغاية الأهمية في مسيرة الفنان. تمتد الأولى بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي وتتمثّل ببداية البحث عن أشكال التصوير وتقديم لغة جديدة تنأى بنفسها عن المشاهد الطبيعية نحو إلى الهندسة، وتنتقل من الجسد إلى الشكل. بينما تستقصي الثانية ما قام به من تجارب على مستوى المواد وصياغة مفردات فنية جديدة مهّدت الطريق أمام مفهوم الأعمال المحروقة. ومن شأن هذا أن يكشف العنف الذي يؤدي إلى خراب اللوحة (الجدار) التي تحمل معالم حضارات عدة، أو زوال الذاكرة التي ترسم معالم السطح "البُعد الواحد". وقد أتت هذه الممارسة الفنية استجابة لأحداث كان لها بالغ الأثر على الظروف الإنسانية السائدة وأصبحت جزءاً لا يتجزّأ من الحياة اليومية، وبالأخص الحرب العراقية الإيرانية إبان ثمانينيات القرن العشرين، وحربي الخليج في التسعينيات ومطلع الألفية عقب أحداث 11 سبتمبر.
كان آل سعيد مُنظّراً وفناناً انخرط في حقل التدريس والتعلّم من الفن. واعتبر أن مادية العمل قد تمثّل محطة عبور لتجليات مذهلة لـ"البُعد الواحد" الذي كان بمثابة مفهوم طوّر الفنان معانيه في بيان "جماعة البُعد الواحد" التي أسسها مع جواد سليم وجبرا إبراهيم جبرا سنة 1971.
يصف آل سعيد البنية الماديّة في لوحاته باعتبارها تجسيدٌ للآثار العميقة والأسطح المخدوشة على الجدران والمخطوطات. ويبدو أن عملية الوصول إلى الجدار باعتباره بنية قائمة بحدّ ذاتها والبحث عن مخرج أو متنفّس عبر إحداث فجوة في العمل يعكس الذهاب إلى ما هو أبعد من الجدار باعتباره حاجزاً أو عائقاً. ويتجلّى ذلك على وجه الخصوص في التسعينيات خلال فترات الإقامة الفنية المتعددة في العاصمة القطرية الدوحة. أما البُعد السياسي والروحاني لنتاجه الفنيّ فاكتسب معنى أكثر قوة عقب الحرب الثانية في العراق والغزو الأمريكي. فقد أصبح الجدار وكأنه عمل فني، وأتى متشظياً من محاولات الحرق سعياً لفتح أفق نحو مستقبل مُحتمَل. وتحوّل مفهوم "البُعد الواحد" إلى فلسفة ونمط فني قاد في النهاية إلى تحرير المكان والزمان سوية، وتنبّأ بأبعاد أكثر روحانية للوجود.
القيمون على المعرض عبدالله كروم