يتعمق هذا المعرض في أعمال الفنان المخضرم في إطار انخراطه بتياريّ السريالية والصوفية المختلفين ولكن المرتبطين على أكثر من صعيد. وعبر تسليط الضوء على القيمة الكامنة لما هو غائب أو مخفيّ أو غير مرئي في أعماله، يمكن قراءة اللوحات باعتبارها دمجاً بين هذين التيارين، ليتحوَّل المدرِّس بفضل ذلك إلى فنان عابر للثقافات ومنخرط في سياق السريالية العالمية التي تبلورت كتيار فكريّ دوليّ يتجاوز حدود عالَمي الشرق والغرب.
يُقدِّم المعرض مجموعة مختارة من لوحات الفنان بدءاً من أواخر خمسينيات وحتى تسعينيات القرن العشرين وتعكس ما كان متداولاً من أفكار وأشكال فنية تسعى لوضع يدها على جوهر الحقيقة. توظِّف أعمال المدرِّس توليفة تجمع الفكر التجريدي والمفاهيمي والفلسفي للوصول إلى تصوير غنيّ على مستوى التاريخ الشخصي والاجتماعي السياسي تجسيداً لمسيرة فنية مشحونة بالعواطف.
يشمل المعرض أعمالاً تم اختيارها باعتبارها ركائز لإطلاق حوار بخصوص الدور الذي تلعبه سوريا القديمة والحديثة، واستقصاء التحوُّل من الريف إلى حياة المدن الصناعية، وكشف أغوار الصراع الإقليمي خلال عقد الستينيات المضطرب. تُعتبر تلك الفترات التاريخية، والعوامل الخارجية التي رافقتها، أمراً شديد الأهمية لأجل فهم العناصر المعقدة جداً في أعمال فاتح المدرِّس بالغة الرمزية التي تتمثل المفارقة فيها بأن صداها لا يزال يتردد في الواقع الجيوسيساسي المعقَّد الذي تعيشه سوريا حالياً.
قيّم المعرض من قبل: سارة رضا
عن الفنان
يُعتبر فاتح المدرِّس (١٩٢٢ حلب - ١٩٩٩ دمشق) واحداً من رواد الفن السوري الحديث والمعاصر. اشتهر المدرِّس بلغته التعبيرية الشخصية والشعور الإنساني والوعي بالفواجع. كما قام بعمل لوحات تتناول مواضيع القرابة والحرمان الاجتماعي والحداثة والمجتمع الريفي والتضحيات الأسطورية. وكان يرسم في كثير من الأحيان وجوه الأطفال البسيطة وحتى الوجوه المشوَهة لإظهار مأساتهم. ومن أعماله الأخرى لوحات رمزية للأرض، التي ملأها برموز التقاليد القديمة التي دمجها مع الطابع الشخصي والذاتي.
درس المدرِّس في أكاديمية الفنون الجميلة في روما في الفترة من 1954 إلى 1960. وبعد أن تولى التدريس في كلية الفنون الجميلة بدمشق بين عامي 1962 و 1969 ، تابع دراساته العليا في باريس ، قبل أن يعود إلى سوريا في عام 1972. ساهم المدرِّس في إقامة علاقات قوية مع زملائه من اوروبا والشرق الأوسط. شارك في أهم المعارض الدولية ، بما في ذلك بينالي القاهرة وبينالي ساو باولو على سبيل المثال. كما ساهمت أعماله في تطوير الفن المعاصر في المنطقة على المدى البعيد.