يُشير مصطلح "التجريد" في اللغة العربية الى عملية قلع وتنقية، كما يُوحي باستخلاص جوهر الشيء وتوضيحه. لقد أدرك الفنانون المعاصرون من غرب آسيا وشمال إفريقيا التجريد المتأصل للّغة العربية، نظراً لكونها بعيدة عن النزعات التصويرية أو التشخيصية، ولكونها نظام بصري يجمع أشكال هندسية تختلف عن التركيبات المرئية المألوفة في أجزاء أخرى من العالم. وهكذا، فإن اهتمام الفنانين بالتجريد، سواء العرب أو زملائهم الحداثيين من أماكن أخرى، قادهم بشكل طبيعي إلى ما يُعرف بالفن الإسلامي، ودَفعهم إلى دمج الجماليات التقليدية بإنتاجهم المعاصر.
يكشف هذا المعرض عن تجارب مُعيّنة في التجريد، وبالخصوص تلك المستلهمة من التراث الغني للعالم العربي الإسلامي، والتي استطاعت أن تُكوّن أعمالاً تُميّز الحداثة العربية عن نظيراتها في جميع أنحاء العالم. كما يسلّط الضوء على الطرق التي استقى بها الفنانون الإقليميون أفكاراً جديدة وعناصر بصرية وتقنيات من الخط والزخرفة على وجه الخصوص، الأمر الذي مكنّهم من ابتكار نهج فريد في التجريد. بالرغم من اختلاف ممارساتهم الفردية، فان بالإمكان تمييز اتجاهات جماعية واضحة، والتي مهدت لها الأسس اللغوية والثقافية المشتركة التي ما تزال تُثري أعمال هؤلاء الفنانين، بالإضافة إلى معرفتهم بتاريخ التجريد في المنطقة الذي يمتد إلى زمن بعيد يتجاوز عزوف الغرب في العصر الحديث عن التصوير الواقعي.
يُقدم المعرض أعمالاً مستمدة من مجموعة متحف، والتي تثير أسئلة نقدية حول الفهم التقليدي للتجريد. فبالإضافة إلى تحدي النظريات الشائعة حول نشأته، فإنه لا يُنظر إلى التجريد هنا على أنه غاية في حد ذاته، ولا من خلال مفهوم التبسيط أو الاختزال فحسب، ولكن يُمكن اعتباره طريقاً لإطلاق العنان لقدرات غير مستغلة، ولاكتشاف إمكانيات تعبيرية جديدة من ضمن المألوف. بعبارة أخرى، يمكن النظر إلى التجريد على أنه رحلة استقصاء فكري ووسيلة للوصول إلى دروس مُختزَلة.